بسم الله الرحمن الرحيم
قاعدة هامة جدااا يتجاهلها او يجهلها الكثير اثناء تفسير الرؤى و هى عدم ثبوت دلالات الرموز في الرؤى لكل أحد
و
هو من الأخطاء الشائعة بين الناس مع الأسف ، و يقع فيه بعض المعبرين أيضاً
، و هذا الخطأ هو التعامل مع الرمز في الرؤيا على أن له دلالة واحدة في كل
رؤيا لا تتغير أبداً ، كقولهم مثلاً أن الموسيقى و الطبل و الرقص هموم ، و
الضحك بصوت هموم ، و العرس دلالة على قرب الموت ، و سقوط السن وفاة قريب ،
و الثعبان أذى ، و سواد الوجه كفر ، و أمثال هذه الأشياء التي تجعل الناس
ترتعد كلما رأتها في الرؤيا. فأجد فتاة تكتب رؤياها في المنتدى مثلاً
فتقول " رأيت أني أضحك و لكن بدون صوت " ، فتؤكد أن الضحك بدون صوت لأنها
خائفة أن أقول لها أن الضحك في الرؤيا هم يصيبها.
و أنا أريد أن
أؤكد للناس أنه ليس هناك رمز له دلالة ثابتة تقريباً في الرؤيا ، ذلك أن
الرموز تتغير دلالاتها بتغير أحوال الأشخاص و باختلاف الرؤى ، فمثلاً
الضحك في الرؤيا بشرى
للصالحين و لو كان بصوت عال ؛ لقول الله عز و
جل {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ } (هود : 71) ، بينما هو هم
للفاسدين ، لقول الله عز و جل {فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ
كَثِيراً} (التوبة : 82) ، فإن كانت المرأة حامل فهو بشرى لها بولد صالح
للآية قبل السابقة.
و سواد الوجه كفر للفاسد {يَوْمَ تَبْيَضُّ
وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} (آل عمران : 106) ، لكنه بشرى بالذرية
للإنسان الصالح لقول الله تعالى {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى
ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً} (النحل : 58) ، و سواد الوجه ربما دل على من
يسود الناس و يترأس عليهم ، و ذلك للجناس بين السواد و يسود ، و الثعبان
قوة و برهان لمن ملكه لقصة موسى عليه السلام و فرعون ، و من أصابته شوكة
في الرؤيا كان تكفيراً لذنوبه للحديث الشريف (ما من مصيبة تصيب المسلم إلا
كفر الله بها عنه ، حتى الشوكة يشاكها) رواه البخاري في الصحيح ،
بينما
الشوكة مصيبة للفاسدين و خصوصاً عبدة المال للحديث الشريف أيضاً (تعس عبد
الدينار ، وعبد الدرهم ، وعبد الخميصة ، إن أعطي رضي ، وإن لم يعط سخط ،
تعس وانتكس ، وإذا شيك فلا انتقش) رواه البخاري ، و ربما دلت الشوكة لمن
أصابها على الشكوك أو الظنون ، و هكذا تختلف الدلالات باختلاف الأديان ، و
الصلاح ، الأحوال ، و الظروف ، و الأزمان ، و البلاد ، و الأعمار.
و
لا بد من العلم بقاعدة مهمة جداً من قواعد تعبير الرؤى و هي أن رؤى
الصالحين محمولة دائما على معاني الخير ، بينما رؤى الفاسدين محمولة
دائماً على الشر ، فمثلاً اللحن في القول نفاق للفاسدين لقول الله تعالى
{وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} (محمد : 30) ، بينما يدل على
الستر للصالحين ،
و القتل ربما دل على الخسارة أو الظلم لأهل
الفساد لقول الله تعالى : {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ
فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (المائدة : 30) ، {ثُمَّ
أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ} (البقرة : 85) ، و كذلك لسوء
دلالة القتل الظاهرة ، بينما هو للمهمومين فرج من هموم لقول الله تعالى
{وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ } (طه : 40) ، و ربما
دل الانتحار للصالحين على التوبة {فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ
فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } (البقرة : 54)، بينما يدل للفاسدين على ظلم
النفس ، و الجلباب الأبيض خير و دين للصالحين ، بينما هو نفاق و رياء
للفاسدين ،
فليس كل من لبس جلباباً أبيض في الرؤيا صالح ، و قراءة
القرآن الكريم خير للصالحين ، بينما هو غير محمود للفاسدين رغم دلالته
الطيبة عموماً لقول الله تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى
وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ
عَلَيْهِمْ عَمًى } (فصلت : 44). وكذلك ربما دلت الموسيقى و الغناء و
الرقص للصالحين على الخير ، بينما للفاسدين على الشر. و سقوط الضرس ربما
دل للمهمومين على زوال هم لأنه من الضراسة.
دل على هذه القاعدة
الأثر الذي رواه ابن أبي شيبة عن مسروق أنه ((مر صهيب بأبي بكر (الصديق
رضي الله عنه) فأعرض عنه، فقال : مالك أعرضت عني؟ أبلغك شيئ تكرهه؟ قال :
لا والله ، إلا الرؤيا رأيتها لك كرهتها، قال : وما رأيت؟ قال رأيت يدك
مغلولة إلى عنقك على باب رجل من الأنصار يقال له أبو الحشر، فقال أبو بكر
(مفسراً لهذه الرؤيا): نِعْمَ ما رأيت، جُمع لي ديني إلى يوم الحشر)).
فرؤيا
اليد مغلولة إلى العنق رديئة في ظاهرها، فهي مذمومة في القرآن الكريم؛
لقول الله عز وجل { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} ،
للدلالة على البخل و الإمساك عن الإنفاق، إلا أن المعنى قد انقلب على
احتمال الخير والصلاح ـ رغم ذلك ـ لصلاح من رؤيت له الرؤيا، و هو سيدنا
أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فبدلاً من أن يكون معناها جمع المال و عدم
إنفاقه، أصبح المعنى جمع الدين و عدم انفراطه. والله أعلم.
(اللفظ
هنا في الأثر من كتاب المصنف لابن أبي شيبة ، باب ما عبره أبو بكر الصديق
رضي الله تعالى عنه ، و أرجو المعذرة إن كان هناك أي خطأ في كلمة أو حرف
عند نقل الأثر ، اللهم تجاوز عن ذلاتنا و سيئاتنا جميعاً.)
لذلك
أرجو الانتباه إلى مثل هذه الأخطاء ، و على من لا يعرف شيئاً عن هذا العلم
أن يحذر حتى لا يسبب الضيق و الأذى لغيره أو لنفسه. و إذا أردت أن تؤول
رؤاك كلها على الخير فكن من أهل الخير و الصلاح ، و صدق من قال "اتق الله
في يقظتك لا يضرك ما رأيت في منامك". بارك الله تعالى فيكم. هذا و الله
تعالى أعلم