من رحمة الله بعباده المؤمنين وفضله وإحسانه عليهم ، أنه يكتب للعاجز منهم عن العمل أجره إذا علم من نيته الصدق والإخلاص والنصح ، كما لو كان قام بالعمل ، قال تعالى : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين – غير أولي الضرر – والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم ، وأنفسهم ، فضّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ، وكلا وعد الله الحسنى ، وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً ) [ النساء : 95 ] .
نفى الله تعالى أن يستوي في القرب منه والحظوة عنده القاعدون والمجاهدون ، واستثنى من القاعدين أولى الضرر ، فجعلهم في عداد المجاهدين ، ويفهم من نفي استواء المجاهدين والقاعدين ، واستثناء أولى الضرر من هؤلاء أن أولي الضرر يستوون هم والمجاهدون في حصول أصل الثواب والمضاعفة .
ورأى بعض العلماء أنهم يستوون في الأصل ، ويزيد المباشرون للجهاد – وغيره من الطاعات – بمضاعفة الثواب .
واحتج أهل الرأي الأول بأمرين :
الأمر الأول : أن المعذورين ما منعهم إلا عجزهم ، ولو لم يكن بهم عذر لكانوا مع المجاهدين ، وفضل الله واسع ، وقد استثناهم هو سبحانه من القاعدين الذين نفي المساواة بينهم وبين المجاهدين ، فالقاعدون بعذر مستثنون من نفي المساواة .
الأمر الثاني : ما ورد في صحيح السنة مؤكداً هذا المعنى ، كما في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزاة فقال : ( إن أقواماً بالمدينة خلفنا ما سلكنا شِعْباً ولا وادياً إلا وهم معنا ، حسبهم العذر .. ) [ البخاري رقم الحديث 2839 ، فتح الباري ( 6 / 46 ) ] .
وفي حديث جابر : ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال : ( إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حسبهم المرض ) [ مسلم ( 3 / 1518 ) .