الازياء اليمنية
التقليدية.. تنوع وجمال
*
محمد السياغي
بقدر ما تعبر الصناعات التقليدية عن هوية الشعوب، وتعكس
موروثها الحضاري والثقافي، وفلسفتها في التعاطي مع انماط الحياة المختلفة،
بقدر ما تشكل مظهرا جماليا تدعو أدق تفاصيله إلى الشعور بالفخر والسرور
تارة والتأمل المصحوب بالدهشة تارة أخرى.
وعندما تحاول أن تتفحص المراجع
والمصادر التاريخية لعل وعسى أن تجد فيها ما يلمح إلى أصل الحكاية
وبدايتها .. لكنك لن اتجد اكثر مما يؤكد أن اليمنيين برعوا منذ آلاف السنين
في كثير من الصناعات التقليدية بدرجة جعلت منتجاتها من المنتجات النفيسة
في العالمين القديم والحديث، وساعد على ذيوع صيتها الكثير من العوامل ..
ابتداء بجودة صناعتها، ودقة اتقانها، الى التفنن في اساليب تصميمها
واشكالها، وصولا الى المهارة المتناهية في اختيار الوانها وخاماتها.
إيقاع
متكامل
وترتبط صناعة الملابس التقليدية في اليمن بصناعة الحلي ارتباطا
وثيقا، حيث لايمكن فصل جانب دون الاشارة إلى لاخر ، وتمثل العلاقة
المتلازمة بين هذه المصنوعات علاقة ازلية، تمكن الانسان اليمني رجلا كان أو
امرأة من ربطها منذ القدم بايقاع نمط حياته الاجتماعي، حتى شكلت جزء لا
يتجزأ من مظهره وعاداته وتقاليده وحياته الاجتماعية ، ومعتقداته الدينية
ايضا، وتلعب العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة في اليمن دورا كبيرا في
تحديد ايقاعات مظهر الفرد، وما عليه ارتداؤه من عدمه ، وكذا في تحديد مدى
الحاجة لاقتناء هذا النوع أوالصنف أوالشكل أواللون.
وبالرغم من تفاوت
التقيد بما تفرضه العادات والتقاليد لهيئة الملبس فإن الكثير من المهتمين
يعدون ذلك بمثابة الاصول، ويجمعون في الوقت نفسه على أن تقيد السواد الاعظم
بأصول المظهر بات اشبه بالنظام التقليدي، ومثلما يكون التمرد عليها شذوذا
في نظر أبناء جيل ستينات وسبعينات القرن الماضي، فإنه في تصور البعض من
ابناء الجيل الحالي ليس اكثر من محاولة للتحرر من ايقاع تقليدي ، ولهذا
السبب يتعرض بعض ابناء جيل اليوم لتوبيخ المحافظين.
تنوع جمالي فريد
ولاتقتصر
تنوع الملابس التقليدية والحلي في اليمن على اختلاف الاقاليم الجغرافية
..تقول الاستاذة امة الرزاق جحاف رئيسة مركز صناعة الملبوسات التقليدية في
دراسة خاصة بمجال جماليات الملبوسات والحلي اليمنية:أن الازياء التقليدية
تتنوع ايضا في كل منطقة من مناطق اليمن تبعا للمناسبات الاجتماعية
المختلفة، الامر الذي يعده المهتمون ثراء حقيقيا تتمتع به البيئة اليمنية
دون غيرها.
وتقول جحاف :أن تنوعها تبعا للاقاليم الجغرافية ادى الى تنوع
المواد الخام الطبيعية المستخدمة، وتنوع المعرفة والخبرة بطرق الحياكة
والغزل، بالاضافة الى استخدام مجموعة متنوعة من المواد الاولية لصناعة
المنسوجات وتلوينها وحتى الحلي.
وتستوحى الاشكال والزخارف والرسومات
المستخدمة في تطريز الملابس والحلي من البيئة المحلية باستخدام طرق بدائية
في حالة التطريز اليدوي والمكائن في حالة التطريز الالي، وعادة ما تقتصر
صناعة الملابس على ابداع المرأة ، فيما تعتمد صناعة الحلي على تفنن ومهارة
الرجل، وفي كلا الحالتين يحاول الصانع الحصول على زخارف واشكال هندسية
والوان منظمة تتميز بدقة هندسية وابداع فني متكامل.
وتشير المصادر
التاريخية الى تنوع كبير للملابس والازياء التقليدية اليمنية والحلي، ما
يصعب على الباحث تصنيفها لعدم وجود اوصاف دقيقية لها .. وحول هذه الجزئية
ترى الاستاذة امة الرزاق حجاف أن الخصائص الاساسية والفنية للملبوسات
اليمنية التقليدية تتتعدد بتعدد الاقاليم الجغرافية ، غير أن التحول
الاجتماعي من مجتمع زراعي بسيط الى مجتمع حديث أدى الى اختفاء الكثير من
خصوصيات الازياء اليمنية واندثار معظمها، وجهل الكثيرين باهميتها ومثلها
الحلي.
قيمة جمالية وسياحية
تتنامي القيمة الجمالية والسياحية
للملابس التقليدية والحلي اليمنية مقابل القيمة المادية وضرورة الحاجة
لارتدائها، بما يعنى أن الحرص على اقتنائها اصبح لمجرد أغراض الزينة
والتجميل والاهداء والذكرى، لا لضرورة الحاجة لاستخدامها.
وبقدر ما قلل
ذلك من كميات انتاجها، وفقدان الكثير من الخبرات المتفننه في صناعتها، وجعل
عملية الاقبال عليها تنحصر على عشاق التراث وهواة الطابع القديم، من
السياح العرب والاجانب، بقدر ما رفع من قيمتها الجمالية والتراثية ، واضحت
من انفس واثمن المقتنيات.
ولمعرفة أكثر المؤشرات دلالة على ارتفاع ثمنها
، وموسمية تسويقها ، يمكن الاقتراب من الاحاديث التى يتبادلها تجار
الملابس التقليدية والحلي وسط صنعاء اثناء جلسات القات.. فمثلما لا تخلو
مدينة صنعاء من تحضيرات لتتويجها عاصمة للثقافية العربية عام 2004م ..
فأنها لاتحلو بدون استعراض اجمل ما تحمله اطياف الذاكرة في موسم سياحي
منتعش حالف الحظ بعضهم فيه، وضرب ضربته في ثمن الملبوسات والحلي التقليدية
التى ابتاعها في موسم سياحي لاينسى!!.
في مقابل ذلك ، يبدي البعض الاخر
امتعاضه من الركود السياحي الخاضع للظروف الدولية والاقليمية بنبرة يعتليها
التذمر على تجارة يمثل الاحتفاظ بها موروثا لم يعد مجديا، وموسميتها
المرتبطة بوجود انتعاش سياحي في البلد .. لكنهم كالعادة يعالجون حالة
الاحباط بعلاج اهل صنعاء التقليدي الذي اشار اليه حميد (صاحب متجر عتيق
)وسط سوق الملح يقول: نحن نواسي بعضنا البعض يوميا على امل ان يفرجها
الله.. وباللهجة الصنعانية المفعمة بروح الفكاهة والامل يفتح حميد باب
متجره المتواضع صباح كل يوم ولسان حالة يقول :يالله اقضي حاجتي ولا يدرى
فقية !!.
خامات ثمينة
وكما أن تتعدد المواد الخام المستعملة في تطريز
وحياكة الاقمشة وابرزها اسلاك الذهب والفضة، التى تستخدم في تطريز الملابس
الثمينة
قد ادى في الاونة الاخيرة الى استبدالها بمواد مستوردة بسبب
ارتفاع تكلفتها، فإنه اوجد ايضا محلات لتأجير مثل هذه الملابس والحلي..
وتتفاوت طرق التطريز الالي واليدوي من حيث الاتقان والدقة والمهارة.. حيث
ترى عاتقة(خياطة) انه لامجال للمقارنة بين الطريقتين لان التطريز اليدوي
اكثر دقة واتقانا ومتانه وجودة، لكن نظام اللبس لم يعد مثل زمان !! .. ولم
يعد ارتداء الحلي بنوعيها الذهبية والفضية على سبيل المثال إلا من باب
المفاخرة، والتعالي.. وكذلك الملبوسات التى خضعت للعشوائية ونرجسية بعض
فتيات هذه الايام ..وكله بحسب المزاج !!.
علاقة السحر بالجمال
ومن
التجاوزات المغايرة للنمط القديم تقول (عائشة) متفننة في تزيين العرائس
وتتويجهن بالزي التقليدي القديم : استغرب لذوق بعض الفتيات فمثلا العصبة
الصنعانية القديمة بكافة انواعها (وهي عبارة عن حلي من المرجان والفضة التى
توضع على جبين وعنق المرأة ، ويتدلى جزء منها على خدودها) تجدها تتمرد على
نسق العصبة القديم ، وتميل لموضة استبدال المرجان والفضة بالحبات المصنوعة
من (الكرستال).. وطبعا مع مراعاة الذوق القديم في عدم اهمال التناسق بين
لون الفستان الذي ترتديه المرأة مع لون العصبة.
وبحسب عائشة ، فإن
الملابس التقليدية والحلي اليمنية لم تكن الى فترة قريبة محط اهتمام المرأة
وخصوصا في هذه المرحلة، إلا عندما صارت بمثابة الموضة.. وياويله من يقف في
وجه الموضة.
ويتجلى من خلال حالة الطفرة الملحوظة في الاقبال على
الملابس والحلي التقليدية، واستمرار محاولات ادخال التحسينات والتغييرات
الشكلية علي الطابع القديم بما يجعل منه اكثر اناقة وخفة وجمال ،أن علاقة
الانسان اليمني بالملابس والحلي التقليدية تتجاوز كونها رواية شيقة تفصح عن
حضارة من اقدم الحضارات الانسانية عراقة في العالم، وابداع أنسان ماهر
خطها قبل زمن لتصبح بمثابة حوارية رائعة يقول مطلعها"أن في جمال المؤروث
الحضاري والتاريخي اليمني الوافر سحر حاضره المشرق".
---------------------------
*
المصدر: سبأنت