منتديات الابداع
مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  Salamo3lekobsm3
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي سنتشرف بتسجيلك شكرا Surprised

ادارة المنتدي فجر الرحيل

منتديات الابداع
مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  Salamo3lekobsm3
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي سنتشرف بتسجيلك شكرا Surprised

ادارة المنتدي فجر الرحيل

منتديات الابداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الابداع

منتديات الابداع لكل العرب تثقيفية تعليمية ترفيهية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سهيل
نائب المدير
نائب المدير
سهيل

ذكر
الاسد الثور
عدد المساهمات : 183
تاريخ الميلاد : 12/08/1985
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
العمر : 38

مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  Empty
مُساهمةموضوع: مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها    مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  Emptyالجمعة يوليو 16, 2010 8:15 pm

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع طويل لكنه
مفيد

الرسول وبناء الأمة

شمسٌ أشرقت في سماء الإنسانيَّة،
وقد عزَّ أن تطلع في سمائها مثلها، ونورٌ سطع في ربوع الدنيا فأنار في
جنباتها، ومثلٌ أعلى في كل مناحي الحياة، وخاصَّة الإنسانيَّة
والاجتماعيَّة، على أعظم ما يكون من الوضوح والكمال والاقتداء، وقَبْلَ ذلك
فهو رسولٌ أيَّده الله وعصمه بوحي من عنده وتوفيقٍ من لدنه!

وسيرته
r تحمل نماذج متعدِّدة؛ فهو كَفَرْدٍ: ملتزمٌ في سلوكه، مستقيمٌ في
أخلاقه، صادق وأمين مشتهر بذلك بين قومه، وهو كرئيس دولة: حاذق حكيم وعادل
رحيم، وهو كقائد: سياسي ماهر وحربي محنَّك، وهو كزوج: مثالي ناجح في بيته
ومع زوجاته، وهو كأب: حنون رحيم مع أولاده، وهو كداعية: قمَّةٌ في الدعوة
إلى الله، باذلٌ غاية جهده ومنتهى طاقته في سبيل إبلاغ رسالته ومهمَّته،
وهو كمسلم: راهب بالليل فارس بالنهار، حُلو المعاشرة لطيف الفكاهة سهل
الطبع، وفضلاً عن ذلك فسيرته r مثال واضح ونموذج عملي واقعي في طريق بناء
الأمم والمجتمعات، صغرت في ذلك أم كبُرت!

فقد استطاع رسول الله r
بالمنهج الرباني الذي أُوحي إليه أن يبني أُمَّة من لا شيء، وأن يجمع العرب
والعجم على دين واحد، ومبدأ واحد، وأن يُقِيم حضارة استحال على الزمان أن
يَجُودَ بمثلها، لقد كان تغييرًا هائلاً ذلك الذي أحدثه r في الدنيا يوم
بُعث فيها، ولا شكَّ أن دراسة تجربته ليست فقط أمرًا مفضَّلاً أو محبَّبًا،
ولكنها أمر واجب على كل مسلم أراد النجاة في الدنيا والآخرة، وأراد
لأُمَّته العزَّة والكرامة والسيادة والريادة.

أحوال العالم وجزيرة
العرب قبل بعثة النبي

لعلَّ العجيب في أمر بَعثته r إنَّما يكمن في
ذلك التوقيت الذي بُعث فيه؛ فقد بُعث r والعالم فوضى يأكل بعضه بعضًا، وقد
ساد الظلم وفشا الفجور وكثرت الآثام والشرور؛ فها هي دولة الروم العظيمة
المترامية الأطراف منقسمة إلى قسمين: الروم الشرقية وعاصمتها روما، والروم
الغربية وعاصمتها القسطنطينية (إستانبول حاليًا)، والتي كانت تحمل لواء
النصرانيَّة في العالم، وبينهما تنازع عقائدي حيث المذهب الكاثوليكي
والمذهب الأرثوذكسي، ومن الناحية الأخلاقيَّة أُصِيبت الدولة بانحلال
خُلُقي جسيم، لم يَقِلَّ عنه الانحلال الاجتماعي، والذي تبدَّى في المفارقة
الكبيرة بين طبقات المجتمع، والتي كان يمثِّلها غالبًا: السادة والعبيد
[1].

أمَّا دولة الفرس فكانت قد شهدت فسادًا حضاريًّا بكل المقاييس؛
إذ كانوا يعبدون النار، ويُقَدِّسون ملوكهم (الأكاسرة)، معتقدين أن الدماء
الإلهيَّة تسري فيهم، كما فشا فيهم الفساد الأخلاقي، حتى وصل الحال بهم
إلى الزواج من محارمهم (البنات والأخوات)، وقد انقسم المجتمع أيضًا إلى سبع
طبقات اجتماعيَّة تَتَرَتَّب تنازليًّا كما يلي: الأكاسرة، ثم الأشراف، ثم
رجال الدين، ثم قواد الجيش، ثم المثقَّفين من الأطباء والأدباء والعلماء،
ثم الدَّهَاقِين "رؤساء القبائل"، ثم عامَّة الشعب من الفلاَّحين والعمَّال
والتُّجار والعبيد ويمثِّلون 90% من المجتمع، ومع ذلك فليس لهم حقوق
مطلقًا [2]!!

وأمَّا أوربا فقد عاشت -قبل الإسلام وحتى الفتح
الإسلامي- في صراعات وحروب مستمرَّة، وكانوا أبعد ما يكونون عن النظافة
والأخلاق؛ ومن ذلك أنهم كانوا لا يَسْتَحِمُّونَ إلاَّ مَرَّةً في العام،
كما انتشر بينهم الظلم والاضطهاد، وكان بعضهم يَحْرِقون الإنسان بعد موته،
ويأتون بنسائه فيقتلونهن ويدفنونهن معه [3]!

وكذلك كان الوضع في
الصين؛ فكانت فيها ثلاث ديانات هي: ديانة لاتسو [4]، وديانة كونفوشيوس [5]،
وديانة بوذا [6]، وقد تحوَّل بوذا مع مرور الوقت من حكيم ومشرِّع وضعيٍّ
إلى معبود لبعض أهل الصين على مدار السنين وحتى الآن، وصُنِعَتْ له
التماثيل [7].

وأمَّا الهند فقد برزت فيها ثلاث ظواهر رئيسة هي:
كثرة المعبودات والآلهة، فهم يعبدون أيَّ شيء من الكواكب إلى المعادن
والحيوانات، ولا يزالون حتى اليوم يعبدون البقر، كما ظهرت لديهم الشهوة
الجنسيَّة الجامحة، وكذلك النظام الطبقي الجائر، فقد قسموا المجتمع أربع
طبقات: طبقة البراهمة وهم الكهنة والحكام، وطبقة شترى وهم رجال الحرب،
وطبقة ويش وهم التجار والزرَّاع، وطبقة شودر وهم المنبوذون الذين هم أحطُّ
من البهائم وأذلُّ من الكلاب، ويصرِّح القانون بأنه من سعادة شودر أن
يقوموا بخدمة البراهمة دون أجر. كما كان من صنيعهم أنهم يَحْرِقُون الزوجة
مع زوجها عندما يموت ويدفنونها معه، وإلاَّ فستبقى أَمَةً في البيت
لتُصْبِحَ عُرْضَةً للإهانات والتجريح كلَّ يوم إلى أن تموت [8] .

أما
اليهود فكانوا متركِّزين بالشَّام في ذلك الوقت، ولم يكن هناك أحد من
الناس يحبُّ معاشرتهم؛ فهم في لحظات الضعف يُبْدُونَ الخنوع والنفاق
والوقيعة والكذب، وفي لحظات القوَّة يُبْدُونَ التَّجَبُّر والظلم
والوحشيَّة والربِّا، وكانوا على عداء دائم مع النصارى منذ زعموا أنهم
قتلوا المسيح u، وكان تواجدهم في عهد رسول الله في شمال المدينة، وكانوا
مُمْسِكِينَ بتلابيب التجارة وخاصَّة تجارة السلاح، وكانوا حريصين على نشر
الخلاف بين القبائل، ولم يتجمَّعوا مع غيرهم إلا على محاربة المسلمين فيما
بعد [9]!

وإذا جئنا إلى مصر؛ فقد كانت خاضعة للاحتلال الروماني الذي
حَوَّلهَا إلى مخزنِ غلالٍ يَمُدُّ الإمبراطوريَّة الرومانيَّة بالغذاء،
وقد فرض على المصريين ضرائب كثيرة، وعانت مصر في عهدهم تخلُّفًا اجتماعيًّا
واقتصاديًّا وعلميًّا كبيرًا، بل كان الرومان يعذِّبون مَن يختلف عنهم من
المصريين في المعتَقَد الديني المذهبي، وإن كان الجميع تحت مِظَلَّة
النصرانيَّة الأرثوذكسيَّة [10].

وكذلك كان الوضع في الحبشة
(أثيوبيا)، والتي كانت تَدِينُ بالنصرانيَّة المحرَّفة [11]، بينما كانت
حياتهم بُدَائِيَّة إلى حدٍّ كبير، رغم وجود قوَّة وجيش وسلاح، وفي عهد
رسول الله r حكمهم "أصحمة" النجاشي، الذي كان عادلاً لا يُظْلَم عنده أحد.

أما
العرب الذين بُعث فيهم رسول الله r فقد كان لديهم العديد من الأوثان
والأصنام التي عبدوها من دون الله، وكان لكل بيت صنم ولكل قبيلة إله، كما
ظهر عندهم الكثير من العادات الأخلاقيَّة السيِّئة، كشُرْبِ الخمر، ولعب
الميسر، والربا، وتَفَشَّى الزنا بينهم تَفَشِّيًا كبيرًا، كما كان لديهم
عادة بشعة هي "وأد البنات"، وكثرت بينهم أيضًا الحروب والنزاعات والإغارات،
والتي سجَّل التاريخ منها حربي داحس والغبراء، والبسوس [12].

وعلى
هذا الوضع كان حال العالم وحال جزيرة العرب قبل بَعثة النبي r، ولم يكن على
الحقِّ إلا أفرادٌ قلائل جدًّا، مثل زيد بن عمرو بن نُفَيْل والد الصحابي
سعيد بن زيد t، وكان حنيفيًّا على ملَّة إبراهيم u، وكذلك ورقة بن نَوْفَلٍ
الذي كان قد تَنَصَّر، كما كان هناك قُسُّ بن ساعدة الذي كان يُبَشِّر
بمجيء نبيٍّ، وقد أدرك النبيَّ بالفعل، لكنه لم يُدْرِك البعثة [13].

[1]
للاستزادة في ذلك انظر مثلاً: أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط
المسلمين ص42-47.

[2] المصدر السابق ص56–64.

[3] السابق نفسه
ص51، 52.

[4] هي ديانة سلبية تدعو للانعزال عن المجتمع.

[5]
هي ديانة مادِّيَّة تهتم بالعقل ولا تهتم بالعبادة.

[6] ديانة ذات
تعاليم أخلاقيَّة معيَّنة، وتدعو للبعد عن الناس والزهد في الحياة.

[7]
أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص64-67.

[8]
المصدر السابق ص68 –76.

[9] السابق نفسه ص52-55.

[10] انظر:
جوستاف لوبون: حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، الفصل الرابع: "العرب في
مصر" ص208، وأبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص47-50.

[11]
أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص50.

[12]
المصدر السابق ص76 -91، والمباركفوري: الرحيق المختوم ص48.

[13]
انظر: سيرة ابن هشام 2/50
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سهيل
نائب المدير
نائب المدير
سهيل

ذكر
الاسد الثور
عدد المساهمات : 183
تاريخ الميلاد : 12/08/1985
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
العمر : 38

مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها    مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  Emptyالجمعة يوليو 16, 2010 8:17 pm

نزول الوحي

في مكة تحديدًا، ودون أي بقعة
أخرى من بقاع الأرض، وبالطبع لحكمة يعلمها الله U [14]، وفي لحظة فارقة
وعجيبة في تاريخ البشريَّة، بل لعلَّها أعظم لحظة مرَّت في تاريخ الأرض
وإلى يوم القيامة، في هذه اللحظة وفي هذا المكان ينزل الوحي على رسول الله r
في غار حراء وهو يتعبد لله U؛ ليكون أرفع شرف، وأفضل مِنَّة، وأنبل تكريم
للبشريَّة، حين يفيض الله من رحمته على أهل الأرض، فيُرسل إليهم رسولاً
منهم، ويُكرمه بالنبوَّة، ويُنْزِل عليه جبريل بآيات من القرآن الكريم.

وقد
كانت البداية لما حبَّب الله U إليه الخلوة؛ فكان r يخلو بربه ويعتكف في
رمضان من كل سَنَة، ثم بدأت آثار النبوَّة تتبدَّى له، وكان منها سلام
الحجر عليه [15]، كما كان منها وهو صغير حادث شقِّ الصدر، وقد ثبت في كتب
السنة [16]، وكان من أهم المقدِّمات التي سبقت الوحي الرؤيا الصادقة؛ فكان
رسول الله r لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، حتى مضت على ذلك ستَّة
أشهر ثم أتاه جبريل u، وكل ذلك كان إعدادًا وتهيئة لرسول الله r، بل ولأهل
مكَّة من قريش وغيرهم، حتى يعلموا بعد ذلك أن هذا الإنسان يُوحَى إليه من
عند الله.

وفي ذلك تروي السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول: "أَوَّلُ
مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا
الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ؛ فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ
مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ
يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ
اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ- قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ،
وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ
لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ
الْمَلَكُ، فَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ: " مَا أَنَا بِقَارِئٍ". قَالَ: "
فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ
أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. قُلْتُ: "مَا أَنَا بِقَارِئٍ".
فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ،
ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ.
فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: (
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ *
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ)". فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ r
يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَ: " زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي". فَزَمَّلُوهُ حَتَّى
ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: "
لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي". فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ وَاللَّهِ
مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ
الْكَلَّ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى
نَوَائِبِ الْحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ
وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ
خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ
يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ
بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا
كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ
مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَابْنَ أَخِي، مَاذَا تَرَى؟
فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ:
هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي
فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟" قَالَ: نَعَمْ؛ لَمْ
يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ، وَإِنْ
يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا" [17].

ومن هذه
القصة يتَّضح لنا أن رسول الله r بشر؛ فهو يخاف على نفسه فيعود مسرعًا إلى
بيته طالبًا الأمان، كما أنه r لم يكن منتظرًا للرسالة أو متوقِّعًا
للنبوَّة، كذلك نلمح في موقف السيدة خديجة رضي الله عنها موقف الزوجة
الناصحة المُحِبَّة لزوجها الوفيَّة له.

الأمر بالتبليغ

ومن
حكمة الله U أن الوحي انقطع بعد ذلك أيامًا عن رسول الله r؛ وذلك -كما يقول
ابن حجر- ليَذْهَبَ ما كان r وَجَدَهُ من الرَّوْع، وليحصل له التشوُّف
إلى العودة، فلما تقلَّصت ظلال الحَيْرَةِ، وثَبَتَتْ أعلام الحقيقة، وعرف r
معرفة اليقين أنه أضحى نبيًّا للَّه الكبير المتعال، وأنَّ ما جاءه سفيرُ
الوحي ينقُلُ إليه خبر السماء، كما أنبأه ورقة بن نوفل، وصار تشوُّفه
وارتقابه لمجيء الوحي سببًا في ثباته واحتماله عندما يعود، جاءه جبريل
للمرة الثانية [18]، وفي ذلك قال r: " بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ
صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي
جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ،
فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ
فَأَنْذِرْ} إِلَى قَوْلِهِ: { وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1-5]"
[19]. وكان هذا هو الأمر الواضح بالرسالة وبالتبليغ وبالإنذار؛ فتغيَّرت
حالة النبي r من الشكِّ والارتياب وعدم التأكد من أمر النبوَّة إلى حالة من
العزيمة والقوَّة والإصرار والنشاط، وهي بداءة الرحلة الطويلة الشاقَّة،
رحلة التوحيد والدعوة إلى الله U.

ومن هنا كانت مرحلة الإعداد،
أُولى المراحل في بناء الأُمَّة، وقد ظلَّت حتى غزوة بدر الكبرى، أي ما
يقرب من خمسة عشر عامًا من عمر الدعوة، وكانت معظمها في مكة المكرمة، وقد
بدأ فيها الرسول r في انتقاء الأفراد الصالحين لحمل هذه الأمانة الثقيلة،
ونجح في تربيتهم وإعدادهم لهذه المهمة الضخمة، مهمة حمل الدين، ليس إلى أهل
مكة أو إلى العرب فقط، بل إلى العالم أجمع.

الدعوة سرًّا


اتَّخذ رسول الله r منهجًا دعويًّا مهمًّا في بداية هذه المرحلة؛ فبدأ
بأقرب الناس إليه وألصق الناس إليه، فدعا زوجته خديجة رضي الله عنها، ثم
صديقه الصِّدِّيق أبي بكر t، ثم خادمه ومولاه زيد بن حارثة t، ثم ابن عمه
علي بن أبي طالب، الذي لم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره، ولكلِّ واحدٍ منهم
قصَّة تُرْوَى وحديثٌ يُذْكَر.

وقد كان من الحكمة أن تكون الدعوة
في بدء أمرها سرِّيَّة؛ وذلك لئلاَّ يُفَاجَأ أهلُ مكة بما هو جديد وغريب
على معتقداتهم، وأيضًا حتى لا يُقضى على الدعوة في مهدها، وهو ما حدث في
منهج الدعوة طيلة السنوات الثلاث الأولى من بدئها.

هذا، وقد نشط أبو
بكر الصديق t للدعوة بإيجابيَّة شديدة منذ أول يوم أعلن فيه إسلامه، حتى
أسلم على يديه عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد
بن أبي وقاص، وطلحة بن عُبَيْدِ اللَّه، وأبو عُبَيْدَةَ بن الجراح، وهم
من العشرة المبشَّرين بالجنة، كما أسلم على يديه أيضًا عثمان بن مظعون،
والأرقم بن أبي الأرقم، وأبو سلمة، إضافة إلى أهل بيته، وكذلك غلامه عامر
بن فهيرة، والعبد الحبشي بلالُ بنُ رباحٍ الذي اشتراه ثم أعتقه [20].

وكان
أهم ما يُمَيِّزُ هذه المرحلةَ السرِّيَّة الحذرُ الأمنيُّ الشديد، وقد
بدا ذلك واضحًا في قصَّة إسلام بعض الصحابة، مثل عمرو بن عَبَسَةَ
السُّلَمِيّ، وأبي ذَرٍّ الغفاري، وكان من مظاهر السرِّيَّة في ذلك الوقت
أيضًا اجتماع الرسول r والصحابة في دار الأرقم بن أبي الأرقم t ثلاث عشرة
سنة دون أن يُكْتَشَفَ أمرهم، وقد اعتمد الرسول r في تربية المسلمين في هذه
المرحلة على بناء العقيدة الصحيحة، وتعميق القيم الأخلاقيَّة الأصيلة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سهيل
نائب المدير
نائب المدير
سهيل

ذكر
الاسد الثور
عدد المساهمات : 183
تاريخ الميلاد : 12/08/1985
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
العمر : 38

مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها    مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  Emptyالجمعة يوليو 16, 2010 8:18 pm

الجهر بالدعوة

بعد ثلاث سنوات كاملة من
الدعوة السرِّيَّة وزيادة عدد المسلمين إلى نحو الستِّين، أَذِن الله U
لرسوله r بالجهر بالدعوة، لتبدأ نَقْلَة جديدة في مرحلة الإعداد، وفيها
أُمر الرسول r بأن يبدأ بأقربائه ثم بقيَّة الناس، وهنا جمع الرسول r
أقربائه وبلغوا خمسة وأربعين رجلاً ليدعوهم، إلا أن عمَّه أبا لهب ابتدره
بقوله: "هؤلاء هم عمومتك وبنو عمك، فتكلَّم ودع الصباة، واعلم أنه ليس
لقومك بالعرب قاطبة طاقة"، فسكت الرسول r ولم يتكلم في هذا الجمع.

ثم
جمعهم r مرة ثانية وبادرهم بالحديث قائلاً: " الْحَمْدُ لِلَّهِ،
أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، وَأُؤْمِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، ثم
قال: إِنَّ الرَّائِدَ لاَ يَكْذِبُ أَهْلَهُ، وَاللَّهِ الَّذِي لاَ
إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ خَاصَّةً وَإِلَى
النَّاسِ عَامَّةً، وَاللَّهِ لَتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُونَ،
وَلَتُبْعَثُنَّ كَمَا تَسْتَيْقِظُونَ، وَلَتُحَاسَبُنَّ بِمَا
تَعْمَلُونَ، وَإِنَّهَا الْجَنَّةُ أَبَدًا أَوِ النَّارُ أَبَدًا". وهنا
أعلن عمُّه أبو طالب أنه سيقف بجانبه ناصرًا ومؤيِّدًا إلا أنه لن يترك دين
عبد المطلب، بينما كان موقف أبي لهب على العكس تمامًا حيث قال: "هذه والله
السوأة، خذوا على يده قبل أن يأخذ غيركم" [21].

ثم نزل الأمر
القرآني المباشر: { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ
المُشْرِكِينَ} [الحجر: 94]، فكان ذلك إيذانًا بإعلان الدعوة للناس عامَّة،
والإعراض عن المشركين، بمعنى عدم قتالهم وتجنُّب الصدام معهم، فاستجاب
رسول الله r مباشرة، وخرج ينادي قبائل قريش جميعًا من على جبل الصفا، ويقول
لهم: " أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنْ خَيْلاً بِالْوَادِي
تُرِيدُ أَنْ تُغْيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟" قالوا: نعم؛ ما
جرَّبنا عليك إلا صدقًا. فقال r: " فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ
عَذَابٌ شَدِيدٌ" .

فقال أبو لهب: تبًّا لك سائر اليوم، ألهذا
جمعتنا؟ فنزل قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:
1] [22].

وعلى الرغم من يقين مشركي مكة من صدق رسول الله r،
ومعرفتهم أن ما جاء به هو الحق إلا أنهم لم يؤمنوا، وقد تعدَّدت الموانع في
ذلك عندهم، ما بين مَن منعته التقاليد كأبي طالب، ومَن منعه الجبن كأبي
لهب، ومن منعته القبلية كأبي جهل، ومن منعه الكبر والعناد، ومن منعه خوفه
على ضياع السيادة والحُكم في قومه، وغير ذلك، وهم لم يكتفوا بهذا، بل بدءوا
يُخَطِّطون ويُدَبِّرون للكَيْد لرسول الله r وللمسلمين، وسلكوا في ذلك
سبلاً شتَّى ووسائل متعدِّدة، اتَّسمت المرحلة الأولى في ذلك بالسلم، ثم
أخذت طابع المفاوضات، وانتهت بالإيذاء والتنكيل بالمؤمنين ليردُّوهم عن
دينهم، والذي لم يَزد المسلمين إلا إصرارًا على الحقِّ، وصبرًا على
الإيذاء، وضربوا في تلك المحنة أروع الآيات في الصبر وَتَحَمُّلِ الأذى في
سبيل الله U.

وكان بلال بن رباح t ممَّن تَلَظَّى بسلسلة مضنية من
التعذيب على يد أُمَيَّة بن خلف، وعلى نفس الدرب كان ياسر وزوجه سميَّة
والدا عمار بن ياسر y، فقد وقعا تحت يدي رأس الكفر أبي جهل لعنه الله،
فعذبهما تعذيبًا شديدًا حتى قُتِلا في بيت الله الحرام جَرَّاءَ التعذيب
والتنكيل، ومثلهم كان خَبَّابُ بن الأَرَتِّ t، وكان المشركون يَجُرُّونَه
من شعره ليضعوه على الفحم الأحمر الملتهب، ثم يضعون الصخرة العظيمة على
صدره حتى لا يستطيع أن يقوم، وكذلك السيدة زِنِّيرَة والنَّهْدِيَّة
وابنتها وأم عُبَيْسٍ رضي الله عنهن، حتى تحوَّلت مكة إلى سجن كبير تُهان
فيه الإنسانيَّة، ويرتع فيه وحوش الكفر.

[14] لعلَّ من هذه الحكمة:
أن هذه المنطقة ليس لها تاريخ ثقافي يُذْكَر، اللهم إلا ما تميَّزت به من
سحر البيان والذي تجسَّد في نظم الشعر، ولعلَّ في هذا ما فيه من نقاء
الرسالة الخاتمة وعدم تلويثها بما كان في البيئات والأمم الأخرى التي
سادتها ثقافات متعدِّدة وفلسفات وضعيَّة خاصَّة. وأيضًا: أن هذه المنطقة
ليس لها تاريخ عسكري ملموس؛ فلم يكن هناك ما يُعْرَف بالجيوش العربيَّة أو
الجيش المنظَّم، بل كانت قبائل متفرِّقة لا تَعْرِفُ إلا حرب الإغارات
والسطو، ثم لمَّا أسلموا دانت لهم الأرض، وذلت لهم القوى العظمى آنذاك،
وتحوَّلوا من رعاة للغنم إلى قادة للأمم، وهو أمر معجز، ودليل دامغ على
أنهم مؤيَّدون بتأييد الله U، وهو عكس ما لو نزلت الرسالة في بلدٍ له تاريخ
عسكري طويل وعظيم ومنظَّم. كما أن لغة الجزيرة العربيَّة هي اللغة
العربيَّة وهي أشرف اللغات، وهي لغة أهل الجنة، وبها نزل القرآن الكريم.
وأيضًا فإن العرب وأهل مكة كانوا يؤمنون بالله، وإن اتخذوا الأصنام و
الأوثان شفعاء، ولذلك فهم أقرب إلى الإسلام من غيرهم ممن جحدوا الألوهية
وعبدوا غير الله. وهذا فضلاً عن صفات العرب وأخلاقهم التي تساعد على حمل
الدعوة ونشر الرسالة، وهي مثل: الصدق، والكرم، والشجاعة، والصبر، وقوَّة
التحمل.

[15] يقول النبي r: "إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ
كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبِعَثَ إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآن".
انظر: مسلم: كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي r وتسليم الحجر عليه قبل
النبوة (2277).

[16] وهو أن النبي قد شُقَّ صدره وهو غلام وأُخْرِجَ
قلبه واستُخْرِجت علقة من قلبه، وقيل: هذا حظُّ الشيطان منك. ثم غسل قلبه
في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأَم صدر النبي. رواه مسلم: كتاب الإيمان، باب
الإسراء برسول الله r إلى السموات وفرض الصلوات (162).

[17]
البخاري: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله r (3)، ومسلم: كتاب الإيمان،
باب بدء الوحي إلى رسول الله r (160).

[18] ابن حجر العسقلاني: فتح
الباري 1/27.

[19] البخاري: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله r
(4)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله r (161).

[20]
الطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/60، وابن كثير: البداية والنهاية 3/39، 40.

[21]
انظر: شمس الدين الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد 2/322، 323، وابن
الأثير: الكامل في التاريخ 1/ 585.

[22] البخاري: كتاب التفسير،
سورة الشعراء (4492)، عن ابن عباس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سهيل
نائب المدير
نائب المدير
سهيل

ذكر
الاسد الثور
عدد المساهمات : 183
تاريخ الميلاد : 12/08/1985
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
العمر : 38

مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها    مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  Emptyالجمعة يوليو 16, 2010 8:18 pm

الهجرة إلى الحبشة

لما اشتدَّ الإيذاء
والعذاب بالمسلمين جاءت الخطوة التكتيكيَّة من رسول الله r في محاولة منه
للأخذ بأسباب الحفاظ على الدعوة الإسلاميَّة التي غدت مهدَّدة من قريش،
وذلك أنه مأمور بالكفِّ والإعراض عن المشركين، فلم يكن الحلُّ إلا أن تهاجر
تلك الطائفة المؤمنة بدين الله U إلى مكان آخر، فكانت الهجرة الأولى إلى
الحبشة؛ حيث قال رسول الله r لأصحابه: " لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى
الْحَبَشَةِ؛ فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لاَ يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ" [23] .
وقد أمر r أربعة عشر مؤمنًا بالهجرة، وكان على رأسهم عثمان بن عفان t
وزوجته رقية بنت رسول الله r، وجعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله r، وكان
ذلك في السنة الخامسة من البعثة.

وعلى الرغم من خروج المسلمين خفية
وأخذهم للحيطة والحذر، إلاَّ أن قريشًا كشفت أمرهم وخرجت في أثرهم، فلم يكن
من المسلمين إلا أن ابتهلوا إلى الله U الذي أنجاهم بسفينتين كانتا على
الميناء، فانطلقوا آمنين إلى أرض الحبشة وأقاموا فيها في أحسن جوار.

وفي
نفس هذه السنة التي تمَّت فيها الهجرة الأولى للحبشة خرج النبي r إلى
الحرم، وكان هناك جمعٌ كبيرٌ من قريش فيه سادتها وكبراؤها، فقام فيهم وأخذ
يتلو سورة النجم بغتة، فلما باغتهم بتلاوة هذه السورة، وقرع آذانهم بهذا
الكلام الإلهي الخلاَّب، تفانَوْا عمَّا هم فيه، وبقي كلُّ واحد مصغيًا
إليه، لا يخطِر بباله شيء سواه، حتى إذا تلا في خواتيم هذه السورة قوله
تعالى: { فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62]، ثم سجد لم يتمالك
أحدٌ نفسه حتى خرَّ ساجدًا! وسُقِطَ في أيديهم، وقد توالى عليهم اللوم
والعتاب من كل جانب ممن لم يحضر هذا المشهد من المشركين، وعند ذلك كذبوا
على رسول اللَّه r، وأشاعوا أنه قرأ آيات معيَّنة تُعَظِّم من شأن اللاَّت
والعزَّى، ولذلك لمَّا جاءت آية السجود سجدوا تعظيمًا لآلهتهم.

أما
مهاجرو الحبشة، فإن هذا الخبر قد بلغهم في صورة أخرى، مفادها أن قريشًا
أسلمت، فرجعوا إلى مكة في نفس السنة التي هاجروا فيها، ولما وصلوا قبل مكة
وعرفوا حقيقة الأمر رجع منهم مَن رجع إلى الحبشة، ولم يدخل في مكة من
سائرهم أحد إلا مستخفيًا، أو في جوار رجل من قريش.

على أن المشركين
عادوا إلى سابق عهدهم من إيذاء المسلمين، وخاصَّة بعد ما حدث من سجودهم في
الكعبة، وما بلغهم من استقبال النجاشي الحافل للمهاجرين، ذلك الأمر الذي
رفع معنويَّات المؤمنين وأغاظ المشركين، فأخذ رسول الله r قرار الهجرة
مرَّة ثانية إلى أرض الحبشة، والتي كانت أشقَّ من سابقتها؛ إذ إنَّ قريشًا
تيقَّظت لها وقرَّرت إحباطها، بَيْدَ أن المسلمين كانوا أسرع، ويسرَّ
اللَّه لهم السفر، فانحازوا إلى نجاشي الحبشة قبل أن يُدْرَكُوا، وقد بلغ
عددهم قرابة المائة من الرجال والنساء [24].

وقد عزَّ على قريش أن
يجد المسلمون مأمنًا لهم في الحبشة، فأرسلت رجلين لَبِيبَيْنِ هما عمرو بن
العاص وعبد الله بن أبي ربيعة إلى النجاشي لإقناعه بأن هؤلاء المسلمين
أعداء له قبل أن يكونوا أعداءً لهم، وأرسلت معهما الهدايا الثمينة للنجاشي
ولبطارقته، حتى يردوهم.

ولكنَّ النجاشي العادل لم يرضَ إلا بأن يسمع
من الطرف الآخر أيضًا، فأرسل إلى المسلمين فتكلَّم نيابة عنهم جعفر بن أبي
طالب، فقال: أيها الملك، كنَّا قومًا أهل جاهليَّة، نعبد الأصنام ونأكل
الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونُسيء الجوار، ويأكل منا القويُّ
الضعيف، فكُنَّا على ذلك، حتى بعث اللَّه إلينا رسولاً منَّا، نعرف نسبه
وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحِّده ونعبده، ونخلع ما كنَّا
نعبد -نحن وآباؤنا- من دونه من الحجارة والأوثان، وأَمَرَنَا بصدق الحديث
وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكفِّ عن المحارم والدماء،
ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات،
وأَمَرَنَا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة
والصيام -فعدَّد عليه أمور الإسلام- فصدَّقناه، وآمنا به، واتَّبعناه على
ما جاءنا به من دين اللَّه، فعدا علينا قومنا، فعذَّبونا وفتنونا عن ديننا،
فلمَّا قهرونا وظلمونا وضيَّقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا
إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نُظلم
عندك أيها الملك.

ثم قرأ عليه جعفر t صدرًا من سورة مريم فبكى
النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا
عليهم، ثم قال لهم النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة
واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلِّمهم إليكما ولا يكادون. فخرجا.

وهنا
قال عمرو بن العاص لعبد الله بن أبي ربيعة: والله لآتينَّهم غدًا بما
أستأصل به خضراءهم. فلما كان الغد قال للنجاشي: أيها الملك، إنهم يقولون في
عيسى ابن مريم قولاً عظيمًا. فأرسل إليهم النجاشي يسألهم عن ذلك، فقال له
جعفر: نقول فيه الذي جاءنا به نبيُّنَا r؛ هو عبد الله ورسوله، وروحه
وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فأخذ النجاشي عودًا من الأرض، ثم
قال: واللَّه ما عدا عيسى ابن مريم ما قُلْتَ هذا العود. ثم قال لحاشيته:
ردُّوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لي بها، فواللَّه ما أخذ الله منِّي
الرشوة حين ردَّ عليَّ مُلْكِي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيَّ
فأطيعهم فيه. قالت أم سلمة التي تروي هذه القصة: فخرجا من عنده مقبوحَيْنِ
مَرْدُودًا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار [25].

[23]
سيرة ابن هشام 1/321، والسهيلي: الروض الأنف 2/89.

[24] انظر: ابن
كثير: السيرة النبوية 2/9، وابن القيم: زاد المعاد 3/20، وشمس الدين
الصالحي: سبل الهدى والرشاد 2/389.

[25] ابن هشام: السيرة النبوية
1/335، وابن كثير: البداية والنهاية 3/88-94.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سهيل
نائب المدير
نائب المدير
سهيل

ذكر
الاسد الثور
عدد المساهمات : 183
تاريخ الميلاد : 12/08/1985
تاريخ التسجيل : 16/04/2010
العمر : 38

مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها    مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  Emptyالجمعة يوليو 16, 2010 8:19 pm

إعلان الدعوة

بين هجرة الحبشة الأولى والهجرة
الثانية حدث في مكة خطبٌ جلل غَيَّرَ الكثير في مسيرة الدعوة الإسلاميَّة،
وقد تمثَّل في إسلام حمزة بن عبد المطَّلب عمِّ رسول الله r، الذي كان
أكثر الناس عزَّة ومنعة، وأقواهم بأسًا وشكيمة، ليصبح بعد ذلك أسد الله.

ثم
إسلام عمر بن الخطاب t، بعده بثلاثة أيَّام فقط، والذي لقَّبه الرسول r
بالفاروق؛ إذ فرَّق الله به بين الحقِّ والباطل، وبين مرحلتين من تاريخ
الأُمَّة الإسلاميَّة، فمنذ اللحظة الأولى لإسلامه لم يستطع عمر t أن يكتم
إيمانه، فتوجَّه لرسول الله r وسأله: ألسنا على الحقِّ؟ قال له رسول الله
r: نعم. قال: ففيم الاختفاء؟ فوافقه رسول الله r على الإعلان، ومِن بعدها
سيبدأ ظهور الإسلام والمسلمين في مكة، وستؤدَّى الشعائرُ أمام أهل مكة في
وضح النهار، وبهذا يكون عمر t هو الذي اخْتُصَّ بدعوة الرسول r: "
اللَّهُمَّ أَيِّدِ الإِسْلامَ بِأَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ أَوْ
بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ" [26].

هذا، وبعد إسلام هذين البطلين
الجليلين ظهر الإسلام في مكة، وأعلن كثيرٌ من المسلمين إسلامهم، ولم يجد
المشركون بُدًّا من استعمال طريقة أخرى بدلاً من التعذيب، فكانت مساومة
النبي r ليكفُّوه عن دعوته؛ فقام أحد كبرائهم -وهو عتبة بن ربيعة- إلى رسول
الله r فعرض عليه المال والسيادة والمُلْكِ على قريش والعرب كلها، أو أن
يحضروا له أمهر الأطباء لمعالجته إن كان ما يقوله بسبب مرض أو مسٍّ من
الجنِّ... إلاَّ إن رسول الله r أجابه بكلام الله U، حيث قرأ آياتٍ من سورة
فصلت، أُخِذَ بها عتبة وَبَهَرَتْهُ كلَّ الإبهار، فقام من فوره إلى قومه
وعيناه زائغتان، حتى دخل على زعماء قريش، ولم يكن الأمر يحتاج إلى كثير
ذكاء حتى يعرف الجميع ما حدث، حتى لقد قال بعضهم: نحلف بالله لقد جاءكم أبو
الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، وحين جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا
الوليد؟ وبلسان عجيب وفي غاية الصدق، بدأ أبو الوليد عتبة يحكي تجرِبته
ويقول: لقد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قطُّ، والله ما هو بالشعر ولا
بالسحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش: أطيعوني واجعلوها بي، وخلُّوا بين هذا
الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، فوالله ليكونَنَّ لقوله الذي سمعت منه نبأ
عظيم، فإن تُصِبْه العرب فقد كُفِيتُموه بغيركم، وإن يَظهر على العرب
فمُلْكُه مُلْكُكُم وعزُّه عزُّكم، وكنتم أسعد الناس به. وفي ذهول تامٍّ
ردُّوا عليه، وقالوا: سَحَرَك والله يا أبا الوليد بلسانه. فأجابهم: هذا
رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم [27].

حصار النبي في شعب أبي طالب

كان
أبو طالب عمُّ رسول الله r مراقِبًا للوضع من بعيد، فخشي على ابن أخيه من
إيذاء قريش وبطشهم، فقرَّر أن يجمع بني عبد مناف لنصرة رسول الله وحمايته،
فوافق الجميع، مسلمهم وكافرهم؛ حمية للجوار العربي، الأمر الذي أصبحت معه
مكة على أعتاب أزمة خطيرة، وأصبحت المواجهة بين بني عبد مناف وبين بقيَّة
قريش حتميَّة لا مناصَ منها، وحينئذٍ أخذت قريش قرارًا خطيرًا هو المقاطعة
وتفعيل سياسة الحصار الاقتصادي لبني عبد مناف، والتجويع الجماعي لهم،
كفارًا ومسلمين، واتفقوا على ألا يناكحوهم، ولا يزوِّجوهم ولا يتزوَّجوا
منهم، ولا يُبايعوهم، ولا يجالسوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلِّموهم، وأن
لا يقبلوا من بني هاشم وبني المطَّلب صلحًا أبدًا، ولا تأخذهم بهم رأفة
حتى يُسْلموا رسول الله r لهم للقتل!!

وهنا بدأت حِقبة جديدة من
المعاناة والألم، حيث حُوصِر المسلمون والمشركون من بني عبد مناف ومعهم أبو
طالب في "شِعْبِ أبي طالب"، وقد بلغ الجهد بهم حتى إنه كانت تُسمع أصوات
النساء والصبيان وهم يصرخون من شدَّة الألم والجوع، وحتى اضطروا إلى أكل
أوراق الشجر والجلود، وقد ظلَّت تلك المأساة البشريَّة طيلة ثلاثة أعوام
كاملة، حتى جاء شهر المحرم من السنة العاشرة من البعثة، وشاء الله U أن
يُفكَّ الحصار البشع عن بني هاشم وبني عبد المطَّلب، وكان ذلك على يد
ثُلَّة من مشركي قريش جمعتهم النخوة والحميَّة القبليَّة، ثم بفضل آية
قاهرة من آيات الله U، تمثَّلت في الأَرَضَة التي أكلت جميع ما في الصحيفة
التي اتَّفقوا عليها، من جَوْر وقطيعة وظلم، إلا ذكر اللَّه U!!

وبعد
هذا الحصار وفي هذه السنة -العاشرة من البعثة- مرض أبو طالب عمُّ رسول
الله r، وأحسَّ الجميع بأنه مرضُ الموت، وخافت قريش أن تُعاب بعد موته إن
هي آذت رسول الله r، فكوَّنت وفدًا من زعمائها إلى أبي طالب يعرضون عليه أن
يكفُّوا عن إيذاء رسول الله ويكفَّ هو عن إيذاء آلهتهم، فما كان من رسول
الله r إلا أن قال: " يَا عَمُّ، أَفَلا تَدْعُوهُمْ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ
لَهُمْ؟" قال أبو طالب: وإلام تدعوهم؟ قال: " أَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ
يَتَكَلَّمُوا بِكَلِمَةِ وَاحِدَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ،
وَيَمْلِكُونَ بِهَا الْعَجَمَ". فقال أبو جهل بلهفة: ما هي؟ ثم أقسم:
وأبيك لنعطيكها وعشر أمثالها. فقال رسول الله r في ثبات: " تَقُولُونَ: لا
إِلَهَ إِلاَّ اللَّهَ. وَتَخْلَعُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ".
فصفَّقوا بأيديهم، ثم قالوا: أتريد يا محمد أن تجعل الآلهة إلهًا واحدًا؟
إن أمرك لعجب! ثم إنَّ بعضهم قال لبعض: إنه والله ما هذا الرجل بمعطيكم
شيئًا مما تريدون، فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم حتى يحكم الله بينكم
وبينه. ثم تفرَّقوا [28].

[26] الطبراني: المعجم الكبير (11657)،
ورواه الترمذي عن نافع عن ابن عمر بلفظ: "اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ
بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ". قال: وكان أحبهما إليه عمر. (3681). وصححه الألباني
انظر: مشكاة المصابيح (6036).

[27] ابن هشام: السيرة النبوية 1/294،
وابن كثير: السيرة النبوية 1/505، والسهيلي: الروض الأنف 2/45، 46.

[28]
انظر: ابن هشام: السيرة النبوية 1/417.

عام الحزن

حدثت
للمسلمين مصيبتان كبيرتان في هذه السنة، الأولى هي موت أبي طالب، عمِّ رسول
الله r، والسند الاجتماعي المهمّ له، والثانية وفاة خديجة رضي الله عنها،
زوج رسول الله r والسند العاطفي والقلبي له!!

وقعت هاتان الحادثتان
المؤلمتان خلال أيَّام معدودة، فازدادت مشاعر الحزن والألم في قلب رسول
الله r، وزاد عليه ما كان مِن تجرُّؤ المشركين عليه، حيث كاشفوه بالنكال
والأذى بعد موت عمِّه أبي طالب، فازداد غمًّا على غمٍّ حتى يئس منهم، وخرج
إلى الطائف؛ رجاء أن يستجيبوا لدعوته أو يُئووه وينصروه على قومه، فلم يرَ
ناصرًا ولم يرَ مَن يُئوي، بل تطاولوا عليه r وأَغْرَوْا به سفهاءهم الذين
رَمَوْهُ بالحجارة هو ومولاه زيد بن حارثة، حتى دَمِيَتْ قدمه الشريفة،
وشُجَّ رأس زيد، ولم يزل به السفهاء حتى ألجئُوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني
ربيعة، فلما التجأ إليه رجعوا عنه، وأتى رسول اللَّه r إلى حَبَلَة [29]
من عنب فجلس تحت ظلِّها إلى جِدَار، فلمَّا جلس إليه واطمأنَّ، ودعا
بالدعاء المشهور الذي يدلُّ على امتلاء قلبه كآبة وحزنًا ممَّا لقي من
الشدَّة، وأسفًا على أنه لم يؤمن به أحد.

ولما رآه ابنا ربيعة
تحرَّكت له رحمهما، فدَعَوْا غلامًا لهما نصرانيًّا يقال له: عَدَّاس. قالا
له: خُذْ قِطْفًا من هذا العنب، واذهب به إلى هذا الرجل. فلمَّا وضعه بين
يدي رسول اللَّه r مدَّ يده إليه قائلاً: " بِاسْمِ اللَّهِ". ثم أكل، فقال
عَدَّاس: إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد. فقال له رسول اللَّه r: "
مِنْ أَيِّ الْبِلادِ أَنْتَ؟ وَمَا دِينُكَ؟" قال: أنا نصراني، من أهل
نينوى. فقال رسول اللَّه r: " مِنْ قَرْيَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُونُسَ
بْنِ مَتَّى؟". قال له: وما يُدريك ما يونس بن متَّى؟ قال رسول اللَّه r: "
ذَاكَ أَخِي، كَانَ نَبِيًّا وَأَنَا نَبِيٌّ". فأكبَّ عَدَّاس على رأس
رسول اللَّه r ويديه ورجليه يُقَبِّلُها. فقال ابنا ربيعة أحدهما للآخر:
أما غلامك فقد أفسده عليك. فلمَّا جاء عَدَّاس قالا له: ويحك ما هذا؟ قال:
يا سيدي، ما في الأرض شيء خير من هذا الرجل، لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا
نبي. قالا له: ويحك يا عَدَّاس! لا يصرفنَّك عن دينك، فإن دينك خير من دينه
[30].

ثم رجع رسول اللَّه r في طريق مكة بعد خروجه من الحائط
كئيبًا حزينًا، وقد بعث اللَّه إليه جبريل ومعه ملك الجبال يستأمره أن
يُطْبِق الأخشبين على أهل مكة، فقال النبي r: " بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ
اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ
بِهِ شَيْئًا" [31]. ودخل رسول الله rمكة في إجارة "المُطْعِمِ بن
عديٍّ"، الذي قَبِلَ إجارته وحَذَّرَ قريشًا من أن يُؤذوا رسول الله r ما
دام في جواره.

وفي مكة لم يتوقَّف رسول الله r عن الدعوة، وقد انتهز
فرصة موسم الحج ليدعو القبائل والوفود إلى الإسلام ونصرة هذا الدين، فكان
يأتيهم قبيلة قبيلة يعرض عليهم الإسلام ويدعوهم إليه، ولم يستجب أحد منهم
في هذه السنة، ومن هذه القبائل: بنو كلب، وبنو حنيفة الذين لم يكن أحد من
العرب أقبح ردًّا على رسول الله r منهم.

وفي خِضَمِّ هذه الأحداث
التي اشتدَّ وقعها على رسول الله r، تُوُفِّيَتْ زوجه خديجة وعمُّه أبو
طالب في السنة العاشرة من البَعْثة، وقعت هاتان الحادثتان المؤلمتان
فازدادت مشاعر الحزن والألم في قلب رسول الله r، ففكَّر رسول الله r أن
يخرج بدعوته من مكة، فاتَّجه إلى أكبر القبائل بعد قريش وهي قبيلة ثقيف
بالطائف؛ رجاء أن يستجيبوا لدعوته أو يُئْوُوه وينصروه على قومه، فلم يرَ
ناصرًا ولم يرَ مَن يُئوي، وقد قال له أحدهم: أما وجد الله أحدًا يرسله
غيرك؟ وقال آخر: والله لا أكلمك أبدًا... لئن كنت رسولاً من الله كما تقول
لأنت أعظم خطرًا من أن أردَّ عليك الكلام، ولئن كنتَ تكذب على الله ما
ينبغي لي أن أكلِّمَك!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
اكرم سيف الدين
فريق المشرفين
فريق المشرفين
اكرم سيف الدين

ذكر
الجوزاء الديك
عدد المساهمات : 829
تاريخ الميلاد : 04/06/1993
تاريخ التسجيل : 23/11/2010
العمر : 30
المزاج المزاج : وحيد

مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها    مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  Emptyالجمعة نوفمبر 26, 2010 1:37 pm

مشكور موضوع رائع 
جزاك الله خيرا 
واصل ولا تفاصل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
zakimansouria
كبار المشرفين
zakimansouria

ذكر
الدلو الخنزير
عدد المساهمات : 1712
تاريخ الميلاد : 12/02/1995
تاريخ التسجيل : 08/11/2010
العمر : 29
المزاج المزاج : عالي

مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها    مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  Emptyالسبت نوفمبر 27, 2010 10:13 am

شكرااااااا لك واصل وفقك الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
!KAZANOVA!
تمييز وتواصل
تمييز وتواصل
!KAZANOVA!

ذكر
الثور القرد
عدد المساهمات : 2095
تاريخ الميلاد : 17/05/1992
تاريخ التسجيل : 23/11/2010
العمر : 31
المزاج المزاج : هادئ
مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  B4gold-a29227fa9c

مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها    مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها  Emptyالأحد ديسمبر 05, 2010 11:28 am

مشكوووووووووووووووور بارك الله فيك
وجازاك الله خيرااا
وجعلها في ميزان حسناتك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مُساهمةموضوع: السيرة النبوية الكاملة ولن تجد مثلها
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» البحوث الكاملة
» البحوث الكاملة
» من الاحاديث النبوية
» من اجمل الأحاديث النبوية الشريفة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الابداع  :: منتديات الاسلامية :: معرض التصاميم الإسلامية :: الحديث والسيرة النبوية-
انتقل الى: